التحكيم المدني في ضوء القانون المغربي

يشكل التحكيم أحد أبرز الوسائل البديلة لحل النزاعات، ويعد خيارًا مفضلاً في عدد من القضايا، لا سيما ذات الطابع المدني والتجاري، نظراً لما يوفره من سرعة ومرونة وسرية مقارنة بالتقاضي أمام المحاكم. ويكرّس القانون المغربي هذا الخيار ضمن إطار قانوني واضح، خاصة من خلال قانون المسطرة المدنية وتعديله الهام بمقتضى قانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.


1. الإطار القانوني للتحكيم المدني بالمغرب

ينظم الكتاب الخامس من قانون المسطرة المدنية المغربي (المواد 327 إلى 327-55) أحكام التحكيم، سواء كان وطنياً أو دولياً، ويحدد شروطه ومراحله، بما ينسجم مع التوجهات الحديثة للقوانين المقارنة والاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها.

كما جاء قانون 95.17 ليُحدث نقلة نوعية، من خلال توسيع صلاحيات الأطراف، تنظيم التحكيم المؤسساتي، وضبط العلاقة بين القضاء والتحكيم بشكل أكثر وضوحاً.


2. مفهوم التحكيم المدني ومجاله

التحكيم المدني هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على عرض نزاع مدني قائم أو محتمل على محكم (أو هيئة تحكيمية) بدل عرضه على القضاء العادي.

يشمل التحكيم المدني:

  • النزاعات المتعلقة بالعقود المدنية (الكراء، الشراكة، القسمة…)

  • المنازعات بين الأفراد أو المؤسسات الخاصة

  • الدعاوى ذات الطابع المالي أو العقاري التي لا تمس النظام العام


3. شروط وصيغة اتفاق التحكيم

ينبغي أن يكون اتفاق التحكيم:

  • مكتوبًا بشكل صريح (عقد مستقل أو شرط ضمن عقد)

  • صادرًا عن أشخاص يتمتعون بأهلية التصرف

  • متعلقًا بمنازعة قابلة للتحكيم


4. تعيين المحكمين وسير الإجراءات

  • يمكن للأطراف اختيار محكم واحد أو هيئة من ثلاث محكمين

  • في حالة عدم الاتفاق، يمكن للمحكمة المختصة تعيين المحكمين

  • يُلزم المحكم بالحياد والاستقلال، ويمكن رده إذا توافرت أسباب لذلك

  • تسير الإجراءات وفق النظام الذي يحدده الأطراف، أو وفق قواعد التحكيم المعتمدة من هيئة مؤسساتية (مثلاً: مركز الوساطة والتحكيم بالدار البيضاء)


5. حجية حكم التحكيم وتنفيذه

  • حكم التحكيم يتمتع بنفس حجية الأحكام القضائية بعد تذييله بالصيغة التنفيذية

  • طلب التذييل يقدم للمحكمة المختصة (محكمة ابتدائية غالبًا)

  • يمكن الطعن في الحكم بطلب البطلان لأسباب محدودة (مثلاً: خرق حق الدفاع، مخالفة النظام العام…)


6. مزايا التحكيم المدني

✅ السرعة في البت
✅ التخصص والدقة
✅ سرية الإجراءات
✅ تخفيف الضغط عن القضاء
✅ مرونة في اختيار القانون والإجراءات


7. تحديات تطبيق التحكيم بالمغرب

  • ضعف الثقافة التحكيمية لدى بعض المتقاضين والمحامين

  • قلة مراكز التحكيم المؤهلة على المستوى الجهوي

  • ارتفاع أتعاب بعض المحكمين

  • تداخل بعض القرارات التحكيمية مع قضايا النظام العام


يُعد التحكيم المدني آلية فعالة لتسوية النزاعات بشكل مرن وسريع، وقد شهد تطورًا ملموسًا في ضوء الإصلاحات القانونية الأخيرة بالمغرب. ومع ذلك، فإن ترسيخ هذه الثقافة يتطلب مزيدًا من التكوين، وتوفير بيئة مؤسساتية واحترافية داعمة، بما يحقق العدالة الناجعة خارج أسوار المحاكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *